الإعلام الحربي – غزة:
منذ تفتحت عيناي على حقيقة معنى الإسلام شريعة ومنهاج حياة.. الإسلام بشموليته ورسالته التي تحمل في طياتها منظومةً متكاملةً للوعي والإيمان والثورة... منذ ذلك الحين وتشرين له في قلبي حنين، حيث امتزج حبي لتلك المعاني الراقية والجميلة مع عشقي للإسلام الثوري والجهادي، وفلسطين الهوية والحضارة والتاريخ والانتماء...
فما أروعك يا تشرين وأنت تستنهض فينا معاني العزة والإباء، الممزوجة بعبق الشهادة وأريج الشهداء... ما أروعك وأنت توقظ فينا كل عام، ثورةً ما كان لها أن تنطفئ، ونحن نتفيأ ظلال فلسطين من بين سطور "الإسراء"...
في تشرين يجد العاشقون لفلسطين والجهاد والإسلام فسحة للحياة.. للأمل.. للانطلاق صوب السماء.. أولئك الذين أدركوا حقيقة اللغز المعجز بين ثنايا الوعي المتدفق.. وخبايا الإيمان الصادق.. وسر الثورة الكامن بين الضلوع والأحشاء... وهم يرقبون خطى الأقمار.. "الصوري والجمل وقراقع وحلس والشيخ خليل" ومن سار على دربهم، الذين خطوا بدمائهم الزكية وثيقة انتصار "الكف على المخرز"، وأزلية "رحلة الدم الذي هزم السيف" هناك في أقبية تحقيق سجن غزة المركزي المهدّم، ومن بعده على بوابات المجد في شجاعية الفرسان... فيما كان الآخرون (...) مكبّلين بالحيرة وعلامات الاستفهام.. قبل أن يدركوا الحقيقة ويلتحقوا بالركب.. ركب الممتلئين وعياً وإيماناً وثورة.. منذ الصرخة المحمّدية في حراء والحسينية في كربلاء والقسامية في أحراش يعبد وصولا إلى الصرخة الشقاقية المدوية في سماء الوطن !!
ثلاثة وعشرون عاما منذ فجر السادس من تشرين الثاني/ أكتوبر.. ودم انتصار الروح على الجسد هو العنوان.. بخلاف ما خطط له القتلة والمجرمون الذين كانوا "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم" ولكن "يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون"...
فلم تكن تلك الدماء التي خضبت الأجساد الطاهرة في ذلك الصباح التشريني- الاستثنائي في ذلك الزمان بالنسبة للكثيرين- إلا زاداً مباركاً للحالمين بغدٍ أفضل للإسلام وفلسطين والأمة ، ليبدأ من بعدها تتابع قوافل المتلفّحين عباءة النبوة ، ليسيئوا وجوه بني "إسرائيل" وليتبروا ما علوا تتبيرا...
ثلاثة وعشرون عاماً.. وفرسان جيل العقيدة يحملون اللواء.. ما ضعفوا وما استكانوا وما ذلوا وما بدلوا تبديلا.. وهم يرددون قول الله تبارك وتعالى: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا...".
ثلاثة وعشرون عاماً.. والدماء التي أريقت في شجاعية الثورة لا زالت تزهر فينا ثورة ًلا تلين ومشروعاً جهادياً لن يتراجع أو ينهزم أو يستكين حتى تعود فلسطين إلى حضنها الدافئ والأمين في ظل رايات الإسلام المنتصر كما بدرٍ وخيبر وحطين...
ونحن نقف على أعتاب مجدكم المسربل بالتضحية والفداء.. لا نملك إلا الوقوف خضوعا وخشوعا وتواضعا أمام بهائكم وعطائكم ومشروعكم الذي بات ببركة دمكم المتوهّج "مشروع أمة"... فهنيئا لكم أيها "التشرينيون"... هنيئا لكل السائرين على خطاكم... هنيئا لكل من "عرف ولزم".. هنيئا لكل من "برّ وانتقم".. هنيئا لكل الصادقين الذين قال الله فيهم: "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...".
بقلم: توفيق السيد سليم